ملك اليمين في الإسلام: تحليل نقدي وتساؤلات معاصرة
لأسباب لا تخفى، نادراً ما يفتح المسلم المعاصر ملف الرق في الإسلام، وإن فتحه فعادة ما يكون ذلك من باب التبرير أو الدفاع، لا من باب المكاشفة أو المراجعة. فالرق، من حيث المبدأ، يتناقض بشكل جذري مع القيم الإنسانية الحديثة، ومع ذلك نجده متجذراً في صلب الفقه الإسلامي، بل ومقنناً بنصوص واضحة في القرآن والسنة. والأسوأ من ذلك أن الرق في الإسلام لم يكن مجرد أثر اجتماعي سابق على الإسلام تم التدرج في تجاوزه، بل كان جزءاً من النظام الإسلامي نفسه، دينياً واقتصادياً وتشريعياً.
الرق في القرآن
يحتوي القرآن على عشرات الآيات التي تشير إلى الرق بصيغ متعددة: "ما ملكت أيمانكم"، "العبد"، "الأمة"، وغيرها. لم تُحرِّم أي آية من هذه الآيات الرق، بل على العكس، تعاملت معه كأمر واقع ومشروع. بل إن بعض الآيات شرعت امتلاك الإماء لغرض المتعة الجنسية بشكل صريح:
"والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" (المؤمنون: 5-6).
بمعنى أن القرآن أباح للرجل المسلم أن يستخدم جاريته جنسياً دون زواج، لأنها ملك يمينه. ولا يوجد في النص أي تلميح بأن هذا الأمر مؤقت أو تمهيد لإلغاء الرق مستقبلاً. بل على العكس، نجد أن الجواري صرن جزءاً من الحياة اليومية، ومن الثروات التي يفاخر بها المسلمون، والخليفة نفسه كان يمتلك المئات منهن.
الرق في السنة
تأتي السنة النبوية لتؤكد هذا التشريع وتفصّله. فالنبي محمد، بحسب الروايات الإسلامية، امتلك العديد من العبيد والجواري، ووطأ بعضهن دون زواج، مثل مارية القبطية التي أنجبت له ابنه إبراهيم. بل إن السنة لم تكتفِ بتقرير الرق، بل نظّمت قواعده: كيفية شراء وبيع العبيد، عقوبات الأمة الزانية، طرق العتق، وحتى استخدام الجواري في الغناء واللهو.
وعندما نقرأ كتب الحديث مثل صحيح البخاري أو صحيح مسلم، نجد عشرات الأحاديث التي تتحدث عن الرق دون أي حرج أو إشارة إلى أنه أمر غير أخلاقي. بل إن بعض الأحاديث توثق شراء صحابة كبار للجواري من اسواق النخاسة كـ رواية عبد الله ابن عمر أنه كان إذا أراد شراء جارية، "كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها" وتجد أن أقصى ما تقوله الروايات أنها تجعل من تحرير الرقاب وسيلة للتكفير عن الذنوب، ما يعني أن الرق كان مؤسسة قائمة وطبيعية في المجتمع الإسلامي.
لماذا لم يحرم الإسلام ملك اليمين؟
الفقهاء المسلمون، منذ القرن الأول الهجري وحتى بدايات العصر الحديث، اعتبروا الرق جزءاً من الشريعة. لم يناقشوا مشروعيته، بل ناقشوا تفاصيله: هل يجوز للرجل أن يطأ أمَته المتزوجة من عبد آخر؟ هل يجوز بيع الأمة الحامل؟ هل يجوز الجمع بين أكثر من أمة في المتعة الجنسية؟
بل إن بعض الفقهاء ميّزوا بين الأمة والزوجة في الحقوق والواجبات، فالأمة تُستخدم للجنس والخدمة دون عقد زواج، ولا حق لها في النفقة أو المبيت أو الطلاق، لأنها ببساطة مملوكة. وفي حالات كثيرة، كانت تُباع وتشترى وتُورّث كما تُورّث المتاع.
واحدة من أبرز مظاهر الرق في الإسلام كانت مرتبطة بالغزوات. فكل غزوة ناجحة تعني مزيداً من السبايا والعبيد. النساء يُسبين ويُوزعن على المجاهدين، وأحياناً يُغتصبن فوراً بعد انتهاء المعركة. هذه ليست مبالغات، بل موثقة في كتب السير والحديث.
في غزوة أوطاس مثلاً، أُخذت نساء ثقيف سبايا، وكان أزواجهن لا يزالون أحياءً، فأراد بعض الصحابة الامتناع عن معاشرتهن بسبب ذلك، فأنزل الله:
"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" (النساء: 24)
أي أن هذا التحفظ لا محل له، لأن ملك اليمين يرفع الحرمة. وبهذا صار اغتصاب الأسيرات مباحاً بنص قرآني، ما دام تم امتلاكهن.
وهنا دعني أسألك بوضوح: إذا كان الإسلام دين العدالة، فلماذا اكتفى بتنظيم نظام يُحوّل الإنسان إلى سلعة؟ كيف يمكن لدين يدّعي الكمال أن يقبل بعبودية البشر بدلاً من وضع خطة لإنهائها؟ فكر، يا صديقي، فكر!
هل يجوز وطء ملك اليمين المتزوجة؟
نعم، بحسب الفقه الإسلامي، يجوز معاشرة الأمة المتزوجة إذا كانت أسيرة حرب، لأن الأسر يُبطل زواجها السابق. هذا مستند إلى سورة النساء (4:24)، وروايات في صحيح مسلم عن أسيرات أوطاس، حيث أُبيحت معاشرتهن رغم وجود أزواجهن. الحنفية يشترطون ألا تكون متزوجة من مسلم، لكن هذا لا يغير الصورة.
دعني أكون مباشراً: هذا ليس مجرد فقه، بل هو تشريع لاغتصاب الأسيرات. كيف يمكن لنظام أن يُبطل زواج امرأة فقط لأنها أُسرت؟ ألا يثير هذا اشمئزازك؟
هل يوجد نظام ملك اليمين في هذا الزمان؟
امتد الرق في الدولة الإسلامية لقرون طويلة، من زمن النبوة حتى بدايات القرن العشرين. لم يكن الإسلام فقط قد شرعن الرق، بل ساهم في انتشاره وتوسّعه، خصوصاً في إفريقيا. العديد من الحملات العسكرية الإسلامية كانت تستهدف جمع العبيد والسبايا، وتصديرهم إلى الأسواق الإسلامية.
وبينما ألغت أوروبا وأمريكا الرق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بقي العالم الإسلامي متأخراً في هذا المجال، بل وكان بعض العلماء المسلمين يعارضون إلغاءه بدعوى أنه من شرع الله الذي لا يُبدّل. في النصوص الإسلامية، لم ينته الرق أو ملك اليمين، لأن القرآن والسنة لم يحرماه. لكن تاريخياً، بدأ الرق يتلاشى في القرن التاسع عشر تحت ضغط الاستعمار الأوروبي والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية بروكسل 1890. بحسب الرق: تاريخ عالمي لميلتون ميلتزر، كانت دول مثل السعودية (1962) من آخر من ألغى الرق رسمياً. لكن الفقه الإسلامي، كما في فقه السنة لسيد سابق، يبقي الباب مفتوحاً لعودة ملك اليمين في “الحروب الشرعية”.
في العصر الحديث، لا يوجد ملك اليمين قانونياً، لأن الرق أُلغي عالمياً بموجب إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان 1948. لكن جماعات متطرفة، مثل داعش (2014-2019)، حاولت إحياءه، مستندة إلى تفسيرات فقهية، كما وثّق تقرير الأمم المتحدة عن الإيزيديات. هذه المحاولات أدانها علماء، مثل بيان الأزهر 2014، لكن النصوص التي تشرّع الرق ما زالت موجودة، مما يجعلها قابلة للتطبيق نظرياً.
يا صديقي، هذا هو الخطر: النصوص التي شرّعت الرق لم تُنسخ، بل ظلت جزءاً من القرآن والسنة. ألا يضعنا هذا أمام مأزق أخلاقي؟
تبريرات معاصرة وواقع مرفوض
اليوم، يحاول بعض الدعاة تبرير الرق الإسلامي بطرق متناقضة: تارة يقولون إن الإسلام قيّد الرق وفتح باب العتق، وتارة يقولون إن الرق كان ضرورة اقتصادية، وتارة يقولون إنه أفضل من القتل! وبعضهم يزعم أن الرق في الإسلام كان رحيماً وعادلاً بالمقارنة مع الرق الغربي.
لكن كل هذه التبريرات تنهار أمام الحقيقة البسيطة: الرق انتهاك صارخ لإنسانية الإنسان، سواء كان بلونه أو جنسه أو دينه. وكون الإسلام أقرّه وتعامل معه كحق، لا يمكن تبريره بمقاييس العصر الحديث، إلا بثمن أخلاقي باهظ.
المشكلة لا تكمن فقط في الماضي، بل في الحاضر أيضاً. لأن النصوص التي شرّعت الرق ما تزال جزءاً من القرآن والسنة والفقه المعتمد، مما يجعلها صالحة – نظرياً – للتطبيق في أي وقت، كما رأينا مع داعش وغيرها من الجماعات التي أعادت العمل بهذه النصوص حرفياً.
خاتمة
قضية الرق في الإسلام تضعنا أمام مفترق طرق أخلاقي: إما أن نتمسك بالنصوص كما هي، ونقبل بانحرافها عن القيم الإنسانية، أو نعيد النظر في قداستها ونفتح باب المراجعة النقدية الشجاعة. فلا يمكن لعقل حرّ أن يقبل عبودية الإنسان باسم الدين، ولا يمكن لأخلاق العصر أن تتصالح مع ماضٍ يُسوّق الرق كفضيلة.
إما أن نواجه الحقيقة كما هي، أو نواصل التبرير والتجاهل إلى ما لا نهاية.