العهد القبيح
أتابع والملايين من المهتمين بالشأن العربي ما يحدث في غزة في احدث جولات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. هي الجولة رقم .. فلنسمها اكس لاني لا أعلم حقيقة عددها واكاد اجزم انه لا احد يعلم.
لماذا كل هذا الصراع؟ كل هذا الدمار والخراب المتواصل، هل يستحق الامر بالفعل كل هذه الآلام وهذه الدماء التي واصلت الاجيال؟ كل الدول تتحارب، لا يكاد يخلو عصر في الارض قديماً او حديثاً من قتال طحن فيه البشر بعضهم البعض. هذا امر طبيعي وأصل في الكون القائم على الافتراس.
كل الدول تتصارع نعم، ولكن هذا الصراع ينتهي في النهاية. فرنسا والمانيا وبريطانيا كانوا اعداء لعقود والآن هم حلفاء. أمريكا سحقت اليابان وقتلت مئات الالاف ودمرت مدناً كاملة والان هم حلفاء واصدقاء. حتى اطول حروب التاريخ والتي استمرت لقرابة 8 قرون فيما عرف بحروب الاسترداد انتهت الى الابد.
ولكن لماذا لم ينتهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. انتبه. لم اقل العربي الاسرائيلي لانه فعلياً انتهي. نري الان الدول العربية تمضي تباعاً باتجاه التطبيع وانهاء العداء. الصراع العربي الاسرائيلي انتهى والحالمون ببقاءه او اشتعاله من جديد واهمون. واعود واكرر، لماذا لم ينتهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟ هل تفكرت يوماً ولو قليلاً في اسباب بقاء هذا الصراع مشتعلاً ودامياً طوال هذه السنوات؟ هل تعلم أصلاً كيف بدأ الصراع؟
سأحاول في هذا المقال الاجابة عن هذه الاسئلة. هذه الاجابات تعبر عن رأيي الشخصي فقط وما اراه الحقيقة دون تحيز فكري أو ديني، وقد أكون مخطئاً.
لنعرف كيف بدأ الصراع يجب ان نعود للبداية، والبداية ليست من عام 48 ولا من وعد بلفور 1917 ولا حتي من عام 1897 عندما تاسست المنظمة الصهيونية التي خططت لاحتلال ارض فلسطين. البداية من أكثر 3400 عام، من العهد القديم، وتحديداً في سفر التكوين، الإصحاح 17 حيث يبدأ الله (التوراتي) فجأة في قطع عهد على نفسه ليكون الهاً خاصاً لابراهيم ونسله. وفيما يبدو أنه احتفال بهذا العهد، يقرر أن يعطيهم أرض كنعان ملكا أبديا لهم. هكذا، دون اي مقدمات ودون أن يطلب منه أحد ..
1 وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلًا، 2 فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا». 3 فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ قَائِلًا: 4 «أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ، 5 فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. 6 وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ. 7 وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. 8 وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ».
ثم جعل الله علامة مميزة لهذا العهد العظيم هي الختان. علامة ابدية تبقى في اجساد أصحاب العهد يتميزون بها عن الأمم الاخرى. فرض ذلك على ابراهيم (99 عاماً) وعلى كل ذكر من قومه. وكل من لا يفعل ذلك فهو ناكث لهذا العهد.
10 هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، 11 فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. 12 اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ، وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. 13 يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. 14 وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي».
وأرض كنعان - حسب الكتاب المقدس - هي الارض ما بين لبنان شمالاً ووادي مصر جنوباً امتداداً الى وادي نهر الأردن في الشرق. والنصوص التي تؤكد على حق بني اسرائيل فيها كثيرة جداً ومكررة لدرجة انك تشعر ان كاتب هذه النصوص يريد أن يرسخ هذه الحقيقة لنفسه أولاً كي لا ينساها.
ولكن، وبالرغم أن الله هو من أعطاهم الارض شخصياً ودون طلب منهم، إلا ان الارض لم تكن فارغة بل كان يسكنها سبعة شعوب عظيمة من ذرية كنعان الابن الرابع لـ حام ابن نوح. وحام هذا كان ملعوناً لسبب طريف هو خطيئته ضد ابيه نوح. نقرأ في (تكوين 9: 20-25) أن نوح سكر وتعرى فرأي حام عورته المقدسة فلعنه هو ونسله وجعلهم عبيد لاخوته. بمعنى اخر، فان كل ذرية كنعان ملعونة سلفاً ما يمهد لما قد يحدث لهم.
وليظفر اليهود بالارض، يجب عليهم محاربة كل هذه الشعوب بقوة وفي ذلك، اباح لهم الله كل شيء، من قتل الشيوخ والنساء والاطفال بل وحتى البهائم:
17 فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ. وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلًا بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا. 18 لكِنْ جَمِيعُ الأَطْفَالِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يَعْرِفْنَ مُضَاجَعَةَ ذَكَرٍ أَبْقُوهُنَّ لَكُمْ حَيَّاتٍ. [العدد 31]
20 فَهَتَفَ الشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ الْبُوقِ أَنَّ الشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافًا عَظِيمًا، فَسَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ، وَصَعِدَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. 21 وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ. [يشوع 6]
هذا هو العهد القديم والذي تعود كتابته - حسب علماء اليهودية والمسيحية - الى عام 1400 ق. م ومن هنا جاءت التسمية. هذا العهد كان شرارة البدء فيما يعد أطول صراع في تاريخ الأمم والشعوب. صراع طاحن ساحق، لم ينتهي حتى لحظة كتابة هذه السطور.
قد يقول المسلم الان: هذه هي المشكلة .. اليهود هم السبب في كل ما نعانيه من احتلال وقتل وتشريد. الله لم يأمرهم بذلك ولكنهم حرفوا كتابهم واضافوا له خرافات استعملوها لخدمة اهدافهم ولذلك أمرنا الله بقتالهم.
اخي المسلم، الحقيقة أن كتابك لم يختلف من قريب او بعيد عن كتابهم. القارئ البسيط - غير المتحيز - للنصوص القرأنية وكتب التراث، سيدرك تماماً انها (بشكل عام) تصدّق على كل ما جاء في العهد القديم من خرافات واساطير.
فبحسب القرأن، فإن الله قد اختار بالفعل بني اسرائيل من باقي الامم:
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 47]
أما الارض، فان القرأن ايضاً يؤكد على احقيهم فيها وأن الله بالفعل قد كتبها لهم:
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ [المائدة 21]
القوم هم بني اسرائيل والارض هي (بعد الاختلاف) هي مابين الشام وسيناء اي فلسطين وسياق الآيات وقصص خروج موسى من مصر باتجاه هذه الارض المقدسة كثيرة جدا وواضحة وراجعوا التفاسير.
وورد المسلم هنا: نعم هي كانت لهم ولكن بسبب عصيانهم لله، حرمت عليهم. وهو رد ساذج في الحقيقة. الم يكن يعلم - بسابق علمه - انه سيعصوه مستقبلاً؟ فلماذا اذن اعطاها لهم؟! كما الآية واضحة وتحدد الوقت بأربعين عاماً فقط وبعد هذا التيه، جاء يوشع بن نون (فتي موسى في سورة الكهف) وأكمل بهم المسيرة.
وأن اكملت سياق القصة في القرأن ستجد معظم القصص والشخصيات التي وردت - مع بعض الاختلافات هنا وهناك - مصدق عليها ومعاد توثيقها. تقرأ في القرأن قصة طالوت (شاول) وجنوده واسطورة انتصار داود على جالوت (جليات) وما تلا ذلك من اقامة الدولة ومُلك سليمان العظيم. لم يخرج اليهود الارضي المقدسة إلا على يد الرومان عام 70م اثر ثورة اليهود الكبرى وخراب اورشاليم.
حتى خرافة الختان وهي العلامة المميزة لهذا العهد القديم المقدس فنقرأ في الصحيحين عن ابراهيم الذي اختتن وهو في الثمانين:
اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النبيُّ عليه السَّلَامُ، وَهو ابنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بالقَدُومِ.
والقدوم هو ادة كانت تستخدم للنحت والقطع اشبه بالفأس الصغير. تأمل في الصورة القادمة وتخيل معي هذا المشهد عزيزي المؤمن. كيف فعلها؟ رجل في الثمانين او في التسعين (حسب ايمانك) يمسك بعضوه بيد ويقطع باليد الاخرى .. ! هل تؤمن أن الله امره بهذا حقاً؟
وتسأل المسلم لماذا تقومون بالختان؟ لا يعلم سوى ان النبي محمد أمر به أو سيروي لك عن بعض (الهبد) العلمي عن فوائد الختان للرجال. تسأله ولماذا خلق الله هذه الجلدة الزائدة اساساً. هل يخلق الله شيئ ناقص يحتاج الى تعديل؟ لا يعلم.
والحقيقة أتفه من ذلك بكثير فهو مجرد تقليد متوارث تبناها الاسلام عن خرافات بني اسرائيل الذين نقلوه بدورهم عن المصريين القدماء. وبالمناسبة انت كمسلم (مختون) تعد عملياً من أصحاب العهد.
كما اسلفت، فان القرأن يصدق ويوثق معظم قصص وخرافات التوراة. قصص بني اسرائيل وانبياؤهم هي اكثر القصص التي وردت في القرأن. قصة آدم وبدء الخلق، نوح والطوفان، ابراهيم واولاده اسماعيل، اسحق، يعقوب، يوسف والاسباط، لوط، آيوب، يونس (يونان) والحوت، ناهيك عن قصص موسى وفرعون وغيرهم. لكل واحد من هؤلاء في التوراة قصة مخزية او اسطورية لا يقبلها عقل.
فهذا آدم الذي لعن الله الارض كلها بسبب اكله من الشجرة (لا أعلم كيف يوجد شجر وشمس في الجنة) وهذه حواء الذي عاقبها الله بالحيض وآلام الولادة لنفس السبب. وهذا نوح الذي آمره أن يحشر كل الكائنات الحية في مساحة 140/23/13.5 مترا ثم يقرر أن يمحو كل شيء من على وجه الأرض. وهذا يعقوب الذي سرق النبوة من اخيه عيسو. وهذا لوط الذي زني بابنتيه وداوود الذي زني بزوجة قائد جيشه وسليمان الذي عبد الاوثان و و و.
عزيزي المسلم .. أعلم انك تؤمن ان الكتاب المقدس محرف ولكن السؤال هنا ان كنت تؤمن وتصدق ببعض ما ورد فيه فكيف تنكر البعض الاخر؟ ما هي المنهجية المنطقية التي تستخدمها في تحديد خرافية القصة او تحريفها من عدمه. إن قلت أن المعيار هو كتابي المقدس، ما جاء فيه اصدقه غير ذلك هو خرافة، أقول لها هنيئاً لك فأنت تستعمل نفس منطقهم فلا تنكره عليهم.
هذا المنطق هو التجسيد الحرفي الفعلي لما يعرف بالاستدلال الدائري. ولتدرك ان هذا منطق فاسد، تخيل عزيزي المؤمن أن ياتي أحدهم مدعياً أنه المالك الحقيقي لمنزلك وأنه يملك دليل قاطع على ذلك، فاذا طالبته بهذا الدليل أخرج لك ورقة مكتوبة بخط اليد كتبها له والده! هل تقبل بهذا الدليل؟
هذا حرفياً ما يدعيه الاسرائيليون اليوم. يقولون لك أن الله كتب لنا هذه الارض، تقول لهم أين الدليل؟ يقولون ها هو .. مكتوب عندنا في الكتاب المقدس. كما تقول انت أن كتابهم محرف، يقولون لك اين الدليل، تقول كتابي يقول كذا وكذا. يا عزيزي ما تؤمن به يلزمك انت وحدك ولا يلزم الاخرين.
ثم ما الذي تعنيه بالتحريف؟ عزيزي المسلم، الاجيال الاولى من الصحابة والتابعين كانوا يرون أن التوراة قد تم تحريف معانيها فقط دون ألفاظها وقد نسب هذا القول إلى عمالقة منهم وهب بن منبه وابن عباس، والبخاري وفخر الدين الرازي. إبن تيمية كان يقول بأن التحريف قد وقع في اليسير منها، ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه. أي انه الى حدود القرن السابع الهجري - عصر ابن تيمية - كان غالبية المسلمون يؤمنون بأن ما جاء في التوراة على انها كلام الله.
والخلاصة انه بحسب النصوص المقدسة لدى اليهود والمسيحيين وحتى المسلمين فان الأرض لهم، والعهد عهدهم، ولم يلغ هذا العهد الى اليوم، ربما غضب الله عليه بسبب عصيانهم ولكن الارض بقيت لهم، منحة الهية مباشرة.
السؤال الذي يطرح نفسه: اذا كان الله فعلاً قد كتب لهم الارض، لماذا كل هذا الصراع العبثي بين اليهود والمسلمين اذن؟ والاجابة على هذا السؤال تأتي على نحو مركب.
الشق الأول هو أنك تجد القرأن وكتب التراث الاسلامي - برغم تصديقهم على خرافات اليهود - تزخر بخطاب معاد جداً لهم. ترى القرأن تارة يصفهم بالحمير (الجمعة :5) وتارة بالقردة والخنازير (المائدة :60) وتارة اخرى يلعنهم صراحة (المائدة :64). وعموماً، يعتبرهم القرأن من ألد اعداء المسلمين:
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [المائدة: 82]
كما أمر القرأن صراحة بقتالهم في سورة التوبة وهي بحسب الفقهاء، اخر ما نزل من القران وناسخة لما قبلها:
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29]
ثم يحدد في موضع أخر سياق ومكان هذا القتال:
وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا [الإسراء : 5]
المفسرين القدامي قالوا ان المرة الاولي يقصد بها الملك الاشوري سنحاريب أما المرة الثانية فيقصد بها نبوخذ نصر ولكن، ولان النص يحتمل اكثر من تأويل، تري المفسرون المعاصرون يربطون المرة الثانية بالاحداث المعاصرة وبالتالي، فالمقاومة في فلسطين الان هم المقصودون في هذه الآية.
وان اكملت في ذات السياق تجد احاديث عديدة في الصحاح تحقر من شأن اليهود وتدعوا الى كراهيتهم مثل:
لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ ولا النَّصارَى بالسَّلامِ، فإذا لَقِيتُمْ أحَدَهُمْ في طَرِيقٍ، فاضْطَرُّوهُ إلى أضْيَقِهِ.
فالمسلم العادي، فضلاً عن المسلم الفلسطيني، يلقن كره اليهود منذ نعومة اظفاره وانهم من أشد اعداء المسلمين ومعاداتهم وقتالهم والانتصار عليهم هو واجب ووعد مقدس واصل من اصول الدين.
لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي تعال يا مسلم هذا يهوديّ ورائي فاقتله.
الشق الاخر هو أن لفلسطين قدسية خاصة عند المسلمين والسياق العام مفاده أن الارض هي بالاساس مقدسة لذاتها وبما أن المسلمين هم شعب الله المختار الجديد ( خير أمة اخرجت للناس ) فهم أحق بها وواجب عليهم استرجاعها. لم يأت هذا الامر صراحة ولكن يدل عليه كم من الاحاديث النبوية فضلاً عن أفعال الخلفاء والصحابة.
عزيزي المسلم الفلسطيني، أعتذر لك مقدماً عن هذا الجزء ولكنها الحقيقة للاسف وهي ليست اساءة لك بقدر ما هي محاولة للتحرر من الخرافات والوهم.
أولا قدسية فلسطين التاريخية عند المسلمين هي مجرد عبث ومحض استخفاف بالعقول التي هي للاسف مجرد متبعة لقادة القطيع دون فهم أو تفكير. فلسطين التاريخية لم تكن يوماً مقدسة. هذه الخريطة الجميلة التي ترسمها وتشاركها على صفحات مواقع التواصل هي من صنع الاستعمار البريطاني في اتفاقية سايكس بيكو.
كان الرعيل الاول من الصحابة والتابعين يقدسون بيت المقدس او - ان شئت - مدينة القدس وهي مدينة صغيرة كانت تقريباً بمساحة 2 كيلومتر مربع فقط، و طوال فترة الحكم الإسلامي، لم تكن يوماً بالمكانة السياسية أو الثقافية التي تمتعت بها عواصم مثل دمشق وبغداد والقاهرة او حتى الأسِتانة (القسطنطينية) عاصمة الدولة العثمانية.
بمعني آخر فلسطين التاريخية كما تعرفها أنت لم تكن مقدسة وما كان مقدساً هو مدينة بيت المقدس التي تحتوي المسجد الأقصي بداخلها. هذا التقديس يأتي بناء على ما ورد في القرأن من نصوص وهو يعتمد بالاساس على تقديس اليهود لها. تروي كتب التراث انه عندما دخل عمر بن الخطاب المدينة عام 638م / 15هـ ، سُمح لليهود، لاول مرة بدخول المدينة وممارسة شعائرهم فيها بعد أن منعهم منها الملك قسطنتين لأكثر من 300 عام.
هذا عن فلسطين التاريخية، فماذا عن المسجد الاقصى؟ لا ابالغ ان قلت أن هذا ربما يكون اغبى جزء في هذا الصراع وهو كيف يقدس المسلمون (الحاليون) المسجد الاقصى.
المسجد الاقصي لم يكن موجوداً اساساً على عهد الرسول وابو بكر وكان مجرد مساحة فارغة من الارض تمتلي بالزبالة والاوساخ. تروي كتب التراث أن عمر عندما دخل بيت المقدس عام 15 هـ ، أخذ يتجول باحثا عن المسجد الأقصى، فلم يجده فسأل الأسقف عنه فقيل له: (أهو ذاك الذي كان يعظمه اليهود؟) فقال: (نعم)، فدلّه عليه، فوجده وقد جعله النصارى مكب نفايات، فأخد عمر والمسلمون ينظفون المسجد، ثم أمر ببناءه فبني من خشب يتسع لثلاثة آلاف مصلي.
ونري نفس الشيء يتكرر مع قبة الصخرة، فقد روي إبن تيمية في رسالته (في زيارة بيت المقدس) انه لما فتح بيت المقدس، كان على الصخرة زبالة عظيمة؛ لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون إليها فقام عمر بإزالة النجاسة عنها.
لمن لا يعلم، المسجد الاقصي ليس هو هذا المسجد الجميل الذهبي الذي تراه في الصور، هذا مسجد قبة الصخرة والذي تم بناؤه في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 66 هـ. الذي بالغ في بنائه وتزيينه بالذهب حتى يصرف الناس عن الذهاب الى مكة بسبب صراعه من ابن الزبير.
وبالمناسبة الصخرة ليست معلقة بمعجرة كما اوهموك بل هي - بحسب الشيوخ المسلمون - لم يثبت في فضلها حديث ولا أثر. ولكن في المقابل هي مقدسة عند اليهود باعتبارها (مقعد الرب) عندما ينزل الى الدنيا.
في موقع أوقاف الاقصى، خريطة تفاعلية توضح معالم المسجد الاقصى وتطورات بناءه عبر العصور.
للاشارة فقط ولهذا حديث اخر في مقالات اخرى. هل تعلم عزيزي المؤمن أن كل هذه الشخصيات المذكورة أعلاه: نوح، حام، كنعان، ابراهيم، لوط، يوسف، داوود، سليمان، موسى وعيسي .. حتى ابو بكر وعمر هي - حتى الان - شخصيات وهمية لا يوجد اي دليل علمي تاريخي دامغ على انها كانت موجودة يوماً!.
تخيل يا عزيزي .. كل هذه الشخصيات، ولا اقول اغلب، بل كل شخصيات الكتب المقدسة، سواء في العهدين القديم والجديد، أو القرأن والتراث هم شخصيات مشكوك في وجودها التاريخي أصلاً. هي شخصيات موجودة فقط على الورق ولا يؤمن بهم حقيقة الا اتباع هذه الديانات.
والحقيقة أن هذا الامر وحده يثير الدهشة لاي عاقل .. لانك عندما تقارن هذا بوجود آلاف الادلة على وجود آلاف الشخصيات التاريخية (الاقل شأناً) مثل ملوك المصريين القدماء أو اي شخصية عظيمة في الحضارات القديمة الاخرى. خذ مثلاً الملك المصري القديم توت عنخ آمون. سترى انه لا يختلف على وجوده التاريخي اثنان، الروسي والصيني والعربي والهندي، وذلك من كم الادلة التاريخية الثابتة على وجوده.
قارن هذا بالملك سليمان (هو نبي في القرأن فقط)، لم يجد العلماء اي اثر يشير اليه أو الى المُلك العظيم - الذي لم ينبغى لاحد من بعده - مثل عملة نقدية او رسومات أو حتى نقش على حجر. يا اخي، اكتشف علماء الآثار في مصر ما وصف بأنه أقدم مصنع للبيرة في التاريخ ويصل عمره إلى أكثر من 5 آلاف عام ولم يجد علماء الاثار الاسرائيليون اي اثر لهيكل سليمان المزعوم رغم بحثهم الحثيث منذ احتلال فلسطين.
الخلاصة وللاجابة على السؤال الرئيس في هذا المقال: لماذا لم ينتهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أقول يسبب شيء واحد فقط هو الدين. الدين من الجانبين هو الوقود الذي جعل هذه الحرب العبثية مشتعلة طوال هذه القرون. الدين هو الذي يخلق ويغذي كره الآخر واستباحه دمه وماله ونسائه واطفاله دون أن يطرف لقاتله جفن، بل ويجعله يحتفل ويفرح.
الدين هو الذي يجعل الانسان يضحي بحياته وبكل ما يملك في سبيل وعد اجوف إما لإرضاء كائن خرافي يغضب ويثور ويندم ويحب رائحة الشواء او بأخر يعد بحياة اخرى تمتلأ بالمئات من النساء الخارقات الحسن، الجالسات في (الخيام)، مع أنهار من الخمور والملذات رغم تحريمه لذلك في الدنيا.
أنا أرى ان اسرائيل قامت باحتلال للاراضي الفلسطينية وقد قامت بقتل وتشريد اهلها واقامت دولتها على اشلائهم ودمائهم بسبب الدين. وأرى ايضاً ان الدين هو من خلق حركات متطرفة متخلفة قامت بتأجيج الصراع وتطويل امد والمعاناة والالام.
أنا اؤمن بحق الشعب الفلسطيني في العيش بسلام وامان مثل اي شعب في العالم. واؤمن ايضاً بحق الشعب الاسرائيلي في العيش بسلام وامان مثل اي شعب في العالم.
عزيزي اليهودي، المسيحي والمسلم.. دينك هو خرافة غيرك، هذه هي الحقيقة وهذا هو الحال، أفلا يدعوك هذا لتفكر قليلاً هل انت فعلاً على الحق. فقط ابحث واقرأ دون تحيز او تعصب مسبق.